أحد أهم الدوائر الممقوته في تربية الأطفال أن تتعامل مع طفلك بقسوة زائد من أجل اجباره على فعل ما تراه صالحا وهذه الطريقة دائما ما تأتي بنتائج سريعة حاسمة في بادئ الأمر ثم لا تلبث أن تنتكس بعد أن يعتاد الطفل على الضرب فلم يعد يرهبه فيزداد الطفل في الصخب والضوضاء مما لم يعد بالإمكان اخراسه ،ذلك يؤدي بالضرورة إلا الحاجة لمزيد من العنف من الوالدين فلما تعاتبه يقول لك انه لا يصلحه إلا العنف !
بنفس المنطق في السياسة فإن الشعوب التي اعتادت على القمع والإضطهاد فانها دائما الشعوب الأميل لمخالفة القوانين وتحديها ومن ثم تزيد دائرة العنف فترتفع وتيرة العنف السلطوي ضد الشعب ، فإذا تراخت القبضة الأمنية العاتية بعض الشئ كثرت الجرائم والسرقات وحوادث السطو والقتل والاغتصاب حتى يقول الناس العبارة الشهيرة “بلدنا لا يصلح لها إلا رجل يحكمها بقبضة من حديد” !
ولكن العلاج الحقيقي لذلك الطفل ولذلك الشعب لا يكون إلا ببسط القسط والعدل والعقاب بقدر الجريمة ليشعر ذلك الطفل ، وليحس ذلك الشعب بأدميته أنه انسان حقيقي له كرامة وحقوق وليس حشرة تسحق بالخف وليس كلبا يعوي لا يستحق إلا ضرب الرصاص ، قد يؤخذ ذلك وقتا بقدر ما تم افساد الطفل بالقسوة أو الشعب بالقمع ولكن أجلا أو عاجلا فإن ذلك هو العلاج الناجع والحل الناجح.
ومثال ذلك في التاريخ الإسلامي ما كان من والي عمر بن عبد العزيز على خراسان حين أرسل إليه يستأذنه في أن يرخص له باستخدام بعض القوة والعنف مع أهلها, قائلا في رسالته للخليفة “إنهم لا يصلحهم إلا السيف والسوط ” فكان رده عمر ” كذبت . . بل يصلحهم العدل والحق, فأبسط ذلك فيهم, واعلم أن الله لا يصلح عمل المفسدين “
فإننا لسنا بحاجة إلا جلاد يسومنا سوء العذاب بل نحتاج إلى أب عطوف شفيق ، راعيا حسن السمت والعشرة يرعى سبل أهل بيته ولا يأكل خبز الكسل ، نحتاج إلى رجل منا “ابن بلد” باللغة الدارجة ، أكل خبزنا ووقف في صفوفنا وأؤذي كما أوذينا وعانى ما عانينا ، ركب مواصلاتنا وعانى من غلاء الأسعار ما عانينا فإن من ذاق الظلم عرف معنى العدل.
مرت هذه الخاطرة على رأسي وأنا أشاهد مشهدا عجيبا للأستاذ حازم صلاح أبو اسماعيل حين صافحته صبية صغيرة في جو قارص البروده فوقف يفرك لها يدها ليدفئها لها ، ذكرت وقتها حديثا أخرجه البيهقي في السنن الكبرى فيه أن عمرا رضي الله عنه استعمل رجلا من بني أسد (ليكون واليا له على بعض الأمصار ) فقبل عمر بعض ولده أمام الأسدي فقال له الرجل “أتقبل هذا ؟ ما قبلت ولدا قط” فقال له عمر رضي الله عنه “فأنت بالناس أقل رحمة هات عهدنا لا تعمل لي عملا أبدا”
ولكن هل يصلح التدليل الزائد للشعوب أو هل يصلح صاحب القلب العطوف ؟ أم سيكون لقمة سائغة في وجه خصوم الدولة في الخارج ومنازعيه على الحكم في الداخل ؟ والحقيقة أن رئيس الدولة يجب أن يتصف بلين لا يخلو من الحزم وجد لا يفتقر للين فأبا بكر كان يحلب شياه اليتامى بيده ويرسل الجيوش لتبيد الروم ، يطرق باب الأرامل بنفسه ويرعاهن ويقيم حوائجهن ووقف وقفة البطل المغوار في وجه المرتدين حين قال جملته الأشهر “لو جرت السباع بأرجل أمهات المؤمنين على أن أنفذ بعث أسامة فعلت” وحين قال لعمر رضي الله عنه حين عارضه في محاربة المرتدين “ثكلتك أمك يا ابن الخطاب والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه”
فهل يماري أحد أن حازم صلاح – الهين اللين الذي كاد يبكي وهو يسمع خطاب الدكتور عباس له وهو يذكره بقتل والده رحمه الله – كان من طليعة الثائرين ، ومواقفه الشجاعة في مواجهة الظلم والإستبداد لا تنكر ، من يماري أن حازم صلاح كان المرشح الرئاسي الوحيد الذي وقف مع الشباب في أحداث محمد محمود وأقرب من لحق به وقتها لحق به يوم الثلاثاء وعامتهم لم ينزلوا أصلا ؟
من يماري في أن حازما كان أشد الناس على المجلس العسكري وأشدهم رفضا له في الوقت الذي طالبت فيه النخب السياسية بتمديد الفترة الإنتقالية ؟
من يجادل في كون حازم صلاح أحد القلائل الذي وقفوا صدقا ضد احالة النشطاء للمحاكمات السياسية حتى من بين أشد الناس انتقادا له ؟
هل يجرؤ من يملك أقل قدر من الإنصاف أن يعترف أن حازم صلاح قد شهد له خصومه قبل مؤيديه أنه أكثر رمز سياسي مصري وقف في وجه المجلس العسكري خلال العام الماضي وبصر الشباب بما وراء قراراته وأرائه ؟
أليس ذلك الرجل عزيزا على الطغاة والظالمين رحيما بالضعفاء والمساكين ؟ هذا رئيسي فليأتني أحدكم برئيسه ….
ولكن هل يكفي اللين مع الحزم لإدارة شئون الدولة الأهم في المنطقة ؟ صاحبت الرصيد الحضاري الضخم وصاحبة الرصيد الإستراتيجي الأهم في المنطقة وبين البلاد العربية والإسلامية ؟
الحقيقة أننا بحاجة لأستاذ حقيقي يدرك مواضع الخلل في بلادنا ويعرف خطط أعدائنا وأهدافهم ويعرف كيف يمنعهم ويوقفهم ويعرف كيف يخلط ذلك بخلطة ذكية قادرة على احياء مشروع مصري نهضوي حقيقي…..
من كان صاحب أعمق رؤية سياسية حقيقية لمخططات أعدائنا في الداخل والخارج ؟ من الذي تكلم منذ أول يوم أعلن فيه عن ترشحه للرئاسة عن خطط وأفكار ومشاريع قابلة للتنفيذ على الأرض في الوقت الذي كان غيره يتحدث عن عموميات ؟ من الذي طرح حلا لمشكلة البطالة في الوقت الذي قال غيره سأوجه فكري لحل مشكلة البطالة ؟
من صاحب الرؤية لتطوير الصناعة عن طريق مجموعة من مشاريع القوانين الصريحة الواضحة التي عكست فهمت لواقع أنظمة التجارة العالمية وكيفية تقييدها ؟ ألم يفعل ذلك في نفس الوقت الذي كان غيره يتحدث عن الإتيان بالخبراء الإقتصاديين “يعني بصنعة لطافة مش عارف بس هيشوف إلي يعرف؟
“
من الذي تحدث عن الإستفادة من التعداد البشري الهائل وتحويله لقوة انتاجية ضخمة في الوقت الذي تحدث غيره عن مكافحة الزيادة السكانية؟
أليس هذا دليل على بعد نظره وامتلاكه حقا للرؤية التي تتيح له حل مشاكل البلاد ؟
هو حازم صلاح الأب والثائر والأستاذ ولم يكن ينقصه إلا الرغبة الصادقة في الحكم بشريعة الله الغراء ليحصد ملايين القلوب ؟ من الذي تحدث بمنتهى الوضوح والصراحة عن تطبيق الشريعة ؟
من الذي عندما تحدث لم يهتم بما يرضي الناس قدر اهتمامه بما يرضي رب الناس ؟ من الذي قال كثيرا ما قد يغضب عليه شرائحا من المجتمع ذات تأثير قوي ولكنه أثر رضا الله ورفض أن يحصل على منصب بالتغرير ؟
من الذي جهر بأنه لن يسمح أن يسن قانون يعصى قانون الإله في مصر ؟
من الذي حين تحدث عن تحكيم الشريعة تحدث بفقه ووعي بواقع الحال وتحدث عن التدرج المطلوب لشعب لطالما حكم بعيدا عن شريعة الله ؟
من الذي راعى – في حديثه – التدرج المطلوب لتطبيق الشريعة وايجاد البدائل الملائمة للناس ؟ من الذي كان يجهر بالدعوة لتحكيم شرع الله في المسجد وفي البرنامج الفضائي وفي برنامجه الإنتخابي ؟
من الذي أعاد للمسجد دوره وحيويته ؟
من الذي في دروسه تجد كاميرات الجزيرة والبي بي سي وأهم الفضائيات المصرية والعربية تصور وبين المصلين مندوبي أهم الصحف في مصر ؟
منذ الذي حول المسجد لما كان عليه دور المسجد منذ عقود حين كان منارة لرفض الظلم فتخرج منه المسيرات المنددة بالممارسات القمعية الوحشية ؟
من الذي ربط الدين بالدنيا بطريقة ساحرة أخاذة لا تترك الأثار ولا تصطدم بالواقع ؟
من الذي حول تحكيم الشريعة من نظريات أكاديمية إلى خطط واقعية قابلة للتطبيق على الصعيد الواقعي ؟
ألا يجب على من جهروا طوال حياتهم بقول الحق ودعوا على منابر المساجد أن يمكن الله لدينه وأن يحكم فينا شرعه وأن يولي علينا خيارنا ، هل يسعهم الأن أن يخذلوه أو يتركوه ؟
هل يمكن للإسلاميين أن يثقوا مرة أخرى في رجل من خارج الصف الإسلامي لم يعرف معاناتهم ولم يدرك ألامهم ؟
هل ينتظر الإسلاميين رئيسا يعاملهم على أنهم “متطرفين” مرة أخرى ؟ هل ينتظرون من يرقب الغرب والشرق قبل مقاله وبلسان حاله ؟
أيها الإسلاميين ، إن كنتم لا تثقون برجل من خواصكم للحكم فكيف تطالبون الناس أن يثقوا بكم ؟ اذا كنت معاشر الشباب يا شباب الإسلاميين لا تثقون برجلكم في الحكم فكيف تطالبون الناس بالثقة في مشروعكم ؟
أيها الثوار ان كنت لا تؤيدون رجلكم في الإنتخابات فكيف تطالبون بإنتزاع شرعيتكم من الناس ؟
هل ينتظر المصريين أن يحكمهم من لا يرقب فيهم إلا ولا ذمة ؟
من الذي يحظى بالإحترام من جميع القوى السياسية ؟ من الذي أثني عليه القريب والبعيد ؟ والعدو والصديق ؟
من الإسلامي الذي أثنت عليه كل القوى الشبابية والتيارات السياسية لمواقفه الشجاعة ؟
هل تحسبون أن الولايات المتحدة قد ترضى عنكم ان أرضيتموها برئيس يرضيها ؟ ألم يفعل هذا من قبلكم الشاه رضا بهلوي حتى غدروا به ورفضوا سفره لإجراء عملية جراحية عندهم وهو الذي عاش عمره يخدمهم ؟ ألم يبك على كتف الرئيس السادات وقال له كانوا يسمونني “الخازوق” في مراسلاتهم السرية ؟
هل شفع لمبارك ولزين العابدين بن علي ولعلي عبد الله الصالح صداقتهم وخدمتهم الأمينة للولايات المتحدة لتنقذهم أو تساعدهم ؟
اننا الأن أمام مفترق طرق وقد تبدت لنا فرصة ذهبية ، تبدا لنا في الأفق رجلا جمع بين حنان الأب وحزم الثائر وعلم الأستاذ وفقه الشيخ ؟ كل هذا في نسيج واحد ، فرصة ذهبية أتت لشعب مصر في اختيار رئيسها وهم يأبون إلا أن يرقبوا رأي أمريكا وربيبتها ؟
يا شعب مصر ان كنتم تريدون أبا فدونكم حازم فادعموه وادركوا معه اللحظة الفارقة ….
يا ثوار مصر ان كنت تريدون من يقودكم لإكمال ثورتكم فهذا حازم رجلكم تعرفونه ويعرفكم فلا تضيعوا ثورتكم بثمن بخس ….
يا أهل الخبرة والتخصص ان كنت ترون أن هناك من هو أشمل رؤية وأعمق دراية من حازم فأرونا اياه أو وسدوا الأمر لأهله ….
أيها الإسلاميين ويا شعب مصر ان كنت تريدون تحكيم شرع الله بالتدرج كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدونكم حازم صلاح أبو اسماعيل ……
يا شعب مصر أدركوا اللحظة الفارقة عيشوا كراما ….
أو موتوا تحاولون !