نعود للحديث عن هذا العلم الهام لعل أدوات اتخاذ القرار بالنسبة لهذا العلم تعد قليلة نسبيا بالنسبة لعلوم اخرى مثل التسويق وادارة المشروعات ونحوه ولكنها بالغة الأهمية ويمكن استخدام ادواته استخداما واسعا
وأهم اداتين يمكن استخدامها للخطط الإستراتيجية هما التكامل الأمامي Forward integration والتكامل الرجعي أو الخلفي – كيفما راقت لك الترجمة – Backward integration
وبعيدا عن التفاصيل والمصطلحات الأكاديمية التي يمكن الحصول عليها من الكتب مباشرة أضرب بضعه أمثلة للتوضيح
تخيل أنك صاحب مصنع مثل انجوي مثلا وتريد تصنيع عصير المانجو فأنت ستعتمد على بعض المواد الخام أهمها على الإطلاق (هو ما تحتاجه بصورة دورية ) وهو ثمرة المانجو نفسها فأنت تضطر للشراء من المزارعين فتصور لو أن المزارع اعتمد على شدة احتياجك للمانجو ليجبرك على الشراء بأسعار باهظة فما هو الحل الأمثل ؟
الحل الأمثل هو أن تقوم بنفسك بشراء أراضي زراعية أو حقول مانجو وزراعتها وكلما نجحت بصورة أكبر في تقليل الإعتماد على هؤلاء المزارعين كلما كان أنجح , الأن ما صنعته أنت هو التكامل الرجعي تماما في تعريف علماء التخطيط الإستراتيجي وماذا عن التكامل الأمامي ؟
المثال الثاني لا يحتاج لمثال بل بقصة حقيقية وهي قصة عائلة سلام أصحاب مجموعة أوليمبك جروب للأجهزة المنزلية هذه المجموعة وأي شركة لإنتاج الأدوات المنزلية تقوم بصناعة المنتجات وتوزيعها على تجار التجزئة بسعر معين ولنفترض أنها تبيع الثلاجة مثلا بمائة جنيه للبائع ليقوم ببيعها بعد ذلك للعميل بمبلغ 120 جنيها ومكسبك أنت هو عشرون جنيها في الثلاجة ماذا لو قال لك البائعون نأسف سنشتري منك الثلاجة ب 85 جنيها فحسب أو سيقوم هو ببيعها بمبلغ 135 جنيها ! هناك حلول بسيطة مثل محاول تقليل أسعار المواد الخام وهناك الحل العكسي لما صنعته في حالة مصنع المانجو وهو فتح منافذ البيع وبذلك يكمنك أن تبيع بنفس السعر 120 جنيها ولو فرضنا ان تكلفة فروع البيع على سائر القطع يساوي خمسة جنيهات تكون قد كسبت 15 جنيها اضافية أي ربح اضافي يسمح لك أيضا بتخفيض سعرك بما يسمح لك بعروض تنافسية قوية جدا وهذه بإختصار قصة أوليمبك جروب وبي تك حيث قامت أوليمبك جروب بشراء كافة فروع بي تك وصارت منافذ البيع تتبع مجموعة أوليمبك مباشرة مع السماع أيضا للباعة الأخرين بالبيع مع تقليل الأسعار عن فروع بي تك ووجود قدرة كبيرة جدا على الضغط على هؤلاء التجار بوقف التعامل معهم في حال زيادة جشعهم وهذا هو التكامل الأمامي
إذا التكامل الخلفي والأمامي نسبة للمستهلك والمادة الخام فالتكامل الأمامي خطوة للتقرب من المستهلك والخلفي خطوة تقرب من المادة الخام
وعلى سيرة الأمثلة الحقيقية في قضية التكامل الخلفي يوجد ثلاثة أمثلة هامة للغاية
المثال الأول لاحدى شركات الأدوات المنزلية التي تقوم بتجميع الأدوات المنزلية في مصر حيث لاحظ المستشار الإستراتيجي للشركة أن جزءا كبيرا يذهب في شراء فوم التغليف ! وهو المادة الشبيهة بالإسفنج التي تكون بداخل كرتونة المنتج للحفاظ عليه فسأل لماذا لا نشتري هذا الفوم من مصر بدلا من شراءه في الصين ! فقالوا لا يوجد أي مصانع تقوم بتصنيعه في مصر ولا في الشرق الأوسط ! ثم عاد واكتشف أن تكلفته لا تساوي شيئا ولكن القيمة كلها تذهب في سفن الشحن ! تخيل سفن شحن كاملة تذرع المحيط من أجل بعض الفوم ! أي أن التكلفة الحقيقية له هي تكلفة سفينة محملة بالهواء من شرق أسيا لمصر ! لذا كان القرار كما بالتأكيد أدركتم هو انشاء مصنع كامل للفوم ليس للشركة فحسب بل للبيع أيضا لشركات أخرى أي شركة لصناعة الفوم مستقلة عن شركة الأدوات المنزلية ولكنها تابعة لنفس المجموعة !
هل رأيتم كيف يمكن للدراسة البسيطة توفير ملايين الجنيهات ؟
المثال الثاني لشركة النساجون الشرقيون وجوهر صناعات السجاد هو مادة البروبلين وهي احدى الصناعات البتروكيماوية وهذه المادة هي حجر الأساس في تلك الصناعة وشركة النساجون أصبحت مؤخرا من كبرى الشركات العالمية في مجال صناعة السجاد وتهدد بقوة كافة الشركات العالمية الكبرى ولكن كباحث استراتيجي أنت تبحث دائما عن نقاط الضعف في هذه الصروح العملاقة سواء من ناحية المواد الخام أو من ناحية العميل والمفاجأة هي أن عدد مصانع البروبلين في الشرق الأوسط بكامله هي مصنعين فحسب احداهما في السويس والأخر سيبك بالمملكة العربية السعودية وأرجو التركيز في هذا المثال الهام جدا هذه الصناعة الخطيرة لها نقطة ضعف هائلة الأمر لا يقتصر مثل الحالة الأولى على امكانية أن يقوم المصنعون برفع الأسعار عليك بل الأخطر أن بإمكان منافسيك شراء هذه المصانع واستخدامها كورقة رابحة لن تخسر أبدا !
تصور إذ قرر منافسك شراء هذين المصنعين وقرر أن يعلي قيمة البيع عليك مما يجبرك على تقليل هامش ربحك أو زيادة السعر وفي الحالتين هو المستفيد لذا كان لا بد من قرار هام للغاية وقد قام محمد فريد حسنين صاحب الشركة بقرار انشاء مصنع للبروبلين ليس فقط من باب التكامل الخلفي بل من باب خنق المنافسين أيضا والتخلص من سيطرة هاتين الشركتين على الصناعة وتأمينها تماما وتوفير نفقات البروبلين بل والمنافسة أيضا والبيع للمنافسين
مثال أخر وهو حديد عز لعل الكثير منا لا يعرفون سبب سيطرة حديد عز على سوق الحديد بتلك القسوة ولماذا تنتظر كافة الشركات تسعير حديد عز لوضع تسعيراتهم والسبب هو نفس قصة البروبلين ولكن النتيجة ظهرت الأن !
فركيزة صناعة الحديد والصلب هو الحديد الإسفنجي ولا يوجد أي مصنع ينتجه في مصر إلا مصنع حلوان ومصنع الدخيلة الخاص بعز وفطن عز لحقيقة أنه في نفس وضع منافسي محمد فريد حسنين وأن بإمكانه لو نجح في شراء مصنع حلوان لاحتكر تماما الحديد الإسفنجي ولقتل منافسيه وصار بإستطاعته تحديد الأسعار كيفما يشاء وهذا ما حدث حرفيا !
صورة أخرى من صور هذه التكامل حدثت مع أوراسكوم تليكوم بعد أن دخل في منافسة على رخصة التليفون المحمول في احد الدول الأفريقية ولما فشل في الحصول على هذه الرخصة سارع بإستئجار كافة المباني المرتفعة في العاصمة فاكتشفت الشركة المنافسة الشرك واضطروا لإستئجار هذه الأسطح من أوراسكوم بأسعار فلكية لعلها تفوق ما كان حتى يطمح للحصول عليه من هذه الرخصة
إن شاء الله المرة القادمة أشرح مباشرة أنواع السلع الإستراتيجية في مصر والأفكار المطروحة للحفاظ عليها ووجود بدائل أمنة
يتبع ان شاء الله